سورة الأنعام - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)}
{مِّنْ} في {مِّنْ ءَايَةٍ} للاستغراق. وفي {من آيات ربهم} للتبعيض. يعني: وما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاستدلال والاعتبار، إلا كانوا عنه معرضين: تاركين للنظر لا يلتفتون إليه ولا يرفعون به رأساً، لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب، {فقد كذبوا} مردود على كلام محذوف كأنه قيل: إن كانوا معرضين عن الآيات فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها وهو الحق {لَمَّا جَاءهُمْ} يعني القرآن الذي تحدُّوا به على تبالغهم في الفصاحة فعجزوا عنه {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاء} الشيء الذي {كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} وهو القرآن، أي أخباره وأحواله، بمعنى: سيعلمون بأي شيء استهزءوا. وسيظهر لهم أنه لم يكن بموضع استهزاء، وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وعلوّ كلمته.


{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6)}
مكن له في الأرض: جعل له مكاناً له فيها. ونحوه: أرّض له. ومنه قوله: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض} [الكهف: 84] {أَوَ لَمْ نُمَكّن لَّهُمْ} [القصص: 57] وأمّا مكنته في الأرض فأثبته فيها. ومنه قوله: {وَلَقَدْ مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} [الأحقاف: 26] ولتقارب المعنيين جمع بينهما في قوله: {مكناهم فِي الارض مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ} والمعنى لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عاداً وثمود وغيرهم، من البسطة في الأجسام، والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا. والسماء المظلة؛ لأن الماء ينزل منها إلى السحاب، أو السحاب أو المطر. والمدرار: المغزار.
فإن قلت: أي فائدة في ذكر إنشاء قرن آخرين بعدهم؟ قلت: الدلالة على أنه لا يتعاظمه أن يهلك قرناً ويخرب بلاده منهم؟ فإنه قادر على أن ينشئ مكانهم آخرين يعمر بهم بلاده، كقوله تعالى: {وَلاَ يَخَافُ عقباها} [الشمس: 15].


{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)}
{كتابا} مكتوباً {فِى قِرْطَاسٍ} في ورق {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} ولم يقتصر بهم على الرؤية، لئلا يقولوا سكرت أبصارنا، ولا تبقى لهم علة. لقالوا {إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} تعنتاً وعناداً للحق بعد ظهوره {لَّقُضِىَ الامر} لقضي أمر إهلاكهم {ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} بعد نزوله طرفة عين. إما لأنهم إذا عاينوا الملك قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته وهي آية لا شيء أبين منها وأيقن، ثم لا يؤمنون كما قال: {وَلَوْأننا َنزَلْنَا إِلَيْهِمُ الملئكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى} [الأنعام: 111] لم يكن بدّ من إهلاكهم، كما أهلك أصحاب المائدة، وإما لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزول الملائكة، فيجب إهلاكهم. وإما لأنهم إذا شاهدوا ملكاً في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون ومعنى {ثُمَّ} بعد ما بين الأمرين: قضاء الأمر، وعدم الإنظار. جعل عدم الإنظار أشدّ من قضاء الأمر، لأنّ مفاجأة الشدّة أشدّ من نفس الشدّة {وَلَوْ جعلناه مَلَكاً} ولو جعلنا الرسول ملكاً كما اقترحوا لأنهم كانوا يقولون: لولا أنزل على محمد ملك. وتارة يقولون: {مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} [المؤمنون: 33]، {وَلَوْ شَاء رَبُّنَا لاَنزَلَ ملائكة} [فصلت: 14] {لجعلناه رَجُلاً} لأرسلناه في صورة رجل، كما.
كان ينزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعم الأحوال في صورة دحية. لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة في صورهم {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم} ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ، فإنهم يقولون: إذا رأوا الملك في صورة إنسان: هذا إنسان وليس بملك، فإن قال لهم: الدليل على أني ملك أني جئت بالقرآن المعجز، وهو ناطق بأني ملك لا بشر- كذبوه كما كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فإذا فعلوا ذلك خذلوا كما هم مخذولون الآن، فهو لبس الله عليهم. ويجوز أن يراد: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم} حينئذ مثل ما يلبسون على أنفسهم الساعة في كفرهم بآيات الله البينة: وقرأ ابن محيصن: {ولبسنا عليهم}، بلام واحدة.
وقرأ الزهري: {وللبَّسْنا عليهم ما يلبِّسُون}، بالتشديد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8